الحالات التي نعالجها

متلازمة ما بعد كوفيد تعصف بالمرضى

بقلم: جايمي ديتمر

لم يمض سوى أسبوعين على بدء الطبيب البريطاني جايك سويت بعلاج الحالات الشديدة لفيروس كورونا في مستشفى في مقاطعة نورفولك شرق إنكلترا قبل أن يُصاب هو نفسه بالفيروس.

حدثت هذه الواقعة في شهر مارس من عام 2020 مع بداية ظهور وتفشي الوباء في بريطانيا، وهو ما يزال إلى الآن وبعد مرور عدة أشهر غير قادر على العودة إلى ممارسة عمله وهو يعاني مما يدعوه “متلازمة ما بعد كوفيد”. إن أخصائي العناية المركّزة ذو الـ 31 عاماً الذي كان يتمتع بصحة جيدة ولم يكن يعاني من أي مشاكل صحية قبل إصابته بالفيروس لا يزال يعاني من ضيق التنفس وتشوّش الرؤية ونوبات ارتفاع الحرارة والحمّى.

يهتم معظم العامة بشكل رئيسي عندما يتعلق الأمر بفايروس كورونا المسبب لمرض كوفيد-19 بمتابعة حصيلة الوفيات، كما نجد الساسة والمسؤولين حول العالم يرثون حالات الوفاة اليومية ويتلهفون للإعلان عن عدد المصابين الذين تعافوا من المرض. إن هذه التصريحات العامة وغير المحددة تُخفي الكثير من الجوانب، حيث يقول د. سويت وغيره من الأطباء بأن الآلاف سيعانون ويكافحون كثيراً حتى التعافي من آثار هذا المرض.

كما أن البعض قد لا يتمكن من الشفاء أبداً وسيعاني من مشاكل صحية طويلة الأمد.

إن الآلاف ممن “تعافوا” يعانون بالفعل من متلازمة التعب المزمن وغيرها من الحالات الموهنة للصحة. قال د. سويت لقناة سكاي نيوز البريطانية أن الأمور قد تحسّنت بعد أن قضى ثلاثة أيام وهو يحاول التقاط أنفاسه وهو طريح الفراش خلال ذروة مرضه حيث لم يكن يستطيع التنفس بشكل جيد وكانت رئتاه تحصلان على الأكسجين بشكل بطيء جداً.

أضاف د. سويت “لقد عانيت أيضاً من أعراض معدية معوية وآلام شديدة في يديّ وقدميّ”.

تُفيد جمعية تشارترد البريطانية للعلاج الطبيعي بأن عشرات الآلاف من الأشخاص الذين أُصيبوا بفايروس كورونا وعانوا من أعراض شديدة سيتعرضون للإصابة بمرض طويل الأمد، وغالباً ما سيصاب المرضى ذوي الحالات الشديدة بالوهن. يسبب هذا المرض الإجهاد لعضلات الجهاز التنفسي ويجعلها أقل كفاءة، وذلك وفقاً لمارتا لازيري، أخصائي الجهاز التنفسي الإيطالي الذي أضاف “أفاد هؤلاء المرضى بأنهم كثيراً ما يشعرون بالتعب وحتى أنهم يبذلون جهداً كبيراً كي يتمكنوا من الحلاقة أو الاستحمام.

يقول الأطباء بأن بعض الأشخاص الذين يصابون بالمرض بشكل خطير ومتقدّم يُصبحون عرضة للإصابة بتليّف رئوي غير قابل للعلاج مما يتسبب بترك تندبات كبيرة في الرئة. وجد الأطباء الإيطاليون أن ثلاثة من كل 10 مرضى مصابين بشكل خطير سيصابون بتلف رئوي دائم.

البحث عن الدلائل

يقول أخصائيو الفيروسات وأخصائيو الأمراض المُعدية أنهم لم يحصلوا على فهم كامل حول المضاعفات الصحية المحتملة لفيروس كوفيد-19 على المدى البعيد حتى الآن.

قال ديفيد هايمان، أخصائي الأمراض المعدية، خلال بيان ألقاه الأسبوع الماضي في جمعية تشاتام هاوس البريطانية غير الربحية “نحن لا نعرف حتى الآن ما الذي قد يحدث للأشخاص الذين نجوا من المرض وذلك لأننا ما زلنا في المراحل المبكرة منه، ولكن يبدو بأن البعض لديهم ردود فعل مستمرة في الرئتين وهو ما يسبب لهم ضيق التنفس بشكل مستمر. نحن نأمل بأن تزول هذه الأعراض ولكننا لا نعلم حتى الآن ما إذا كان ذلك سيحدث”.

يقول الباحثون الطبيون إن بعض الدلائل حول الآثار الصحية طويلة المدى قد يتم استخلاصها من دراسات المتابعة التي تمت في هونج كونج حول نوعين آخرين من الفيروسات التاجية، السارس و MERS-CoV. أظهرت إحدى الدراسات حول التأثيرات طويلة المدى للسارس أن 50 بالمائة من الناجين قد تراجعت قدراتهم البدنية بشكل كبير بعد شفائهم بعامين مقارنة مع أولئك الذين لم يصابوا بالعدوى. وتمكن 78 بالمئة فقط من مرضى السارس من العودة للعمل بعد عام من الإصابة.

تشير دراسة أخرى تمت في هونج كوتج إلى أن 40 بالمئة من الأشخاص الذين يتعافون من سارس تستمر لديهم أعراض التعب المزمن لأكثر من ثلاثة سنوات بعد الشفاء.

المضاعفات التي تستمر مدى الحياة

بالنسبة لمجموعة فرعية من المرضى، فإن التعب المزمن لا يُشكّل سوى جزء صغير من المشكلة. يقول أخصائيو الأمراض المعدية في أوروبا والولايات المتحدة وآسيا بأن الأشخاص الذين عانوا من أعراض حادة واضطروا للعلاج في المستشفى سيُعانون من مشاكل موهنة لصحة الجسم بسبب الأضرار التي يسببها الفيروس لأعضاء الجسم الرئيسية الأخرى إلى جانب الرئتين.

يقول الأطباء بأن المرضى في المستشفيات عانوا من جلطات دموية أدّت للإصابة بالسكتات الدماغية والنوبات القلبية والفشل الكلوي وغيرها من المضاعفات، بما في ذلك التلف الدماغي، وهي مشاكل تؤدي إلى حدوث مضاعفات صحية تستمر مدى الحياة. لم يكن حدوث هذه المضاعفات مقتصراً على كبار السن من المرضى بل شمل المرضى الأصغر سناً أيضاً.

توصلت دراسة تم إجراؤها في وقت سابق من هذا العام في مدينة ووهان الصينية التي شهدت ظهور فيروس كورونا لأول مرة إلى أن 12 في المائة من مرضى كوفيد-19 قد ظهرت لديهم علامات تشير إلى الإصابة بتلف في القلب والأوعية الدموية، كما وجدت دراسات أخرى أدلة تشير للإصابة بالتهاب عضلة القلب.

عانى ما يصل إلى 50 بالمئة من المرضى الذين تم تشخيص إصابتهم بـ SARS-CoV-2 من مشاكل عصبية، ولكن لا يزال الأطباء منقسمين حول كيفية تأثير كوفيد-19 على الدماغ ويقولون بأن هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الدراسات، وفي الشهر الماضي، قال روبرت ستيفنز، بروفيسور التخدير وطب الرعاية الحرجة في مستشفى جونز هوبكنز في بالتيمور بولاية ماريلاند، أن هناك أربع طرق محتملة يؤثر المرض من خلالها على الدماغ.

يقترح أحد الاحتمالات أن الجهاز المناعي يعمل بشكل سريع ومفرط لمحاولة محاربة كوفيد-19، مما يؤدي إلى استجابة التهابية “غير ملائمة” قد تسبب معظم التلف الذي يصيب الأنسجة والأعضاء في هذا المرض – وربما أكثر من الفيروس نفسه. كما يمكن أن تؤدي نوبات الحمى والحرارة المرتفعة عند انخفاض مستويات الأكسجين إلى حدوث اختلال وظيفي في الدماغ والإصابة بإعاقة طويلة الأمد. تجدر الإشارة إلى أن الدماغ يتأثر أيضًا بالسكتات الدماغية التي تسببها الجلطات الدموية.

يخشى ستيفنز وأطباء آخرون أن الفيروس قد يكون لديه القدرة على الوصول إلى الدماغ والتسبب بعدوى شديدة ومفاجئة. يقول ستيفنز بأن الحالات المبلغ عنها في الصين واليابان وجدت المادة الوراثية للفيروس في سائل العمود الفقري، كما كشفت إحدى الحالات في فلوريدا عن وجود جزيئات فيروسية في خلايا الدماغ. وقد يحدث هذا بسبب دخول الفيروس إلى مجرى الدم أو النهايات العصبية.

من المرجح أن يُشكّل المرضى الذين يعانون من أعراض ما بعد كوفيد عبئاً مستمراً على أنظمة الصحة العامة حتى بعد انتهاء الوباء، وهو أمر يتطلب يتطلب توسيع نطاق إعادة التأهيل المتخصصة.